غربتنا بكندا برفقة آدم ومشمش
بقلم مي صالح
كانت أول سنوات غربتي قبل ان يرزقني الله طفليّ زكريا وسامي. وكنت وقتها مثل كثيرين نتكلم اللغة العربية بشكل أساسي مع العديد من الكلمات الإنجليزية في منتصف الجمل ونستخدم الكثير من الأمثال والعبارات الإنجليزية. لكن لم يكن ذلك مقلقا حينها فأغلبية جيلنا متمكن من اللغة العربية واللغة الإنجليزية على حد سواء، وذلك لأسباب عديدة، منها أننا كنا نتحدث مع أهالينا بلغتنا الام فقط، وكان منهاج تعليمنا يضم اللغتين معا مما أتاح لنا إتقان اللغتين بثقة.
أثناء تعرفي على الجالية العربية في كندا، لاحظت العلاقات الوطيدة والصداقات الجميلة التي تنشأ بين الكثير من أبناء الجنسيات العربية التي تجمعت في الغربة، ولفتني التعاون والكرم وحب الخير للأخرين والكثير الكثير. لكن للأسف لاحظت شيئا آخر، وهو عزوف عدد كبير من أبناء الجالية العربية عن الحديث باللغة العربية، وإن كانوا يفهمونها حين يتكلم الأهل بها. لا أخفي عليكم صدمتي وحيرتي خاصة أن العديد من الاهل لا يزال يستخدم اللغة العربية مع أولادهم.
وعدت نفسي وقتها ان أعمل ما بوسعي وأن أحاول قصارى جهدي ان لا أقع في الفخ نفسه، وفي الأخطاء ذاتها التي وقع فيها الكثير ممن تعرفت عليهم. وصممت على أن يصبح ابني الكبير متمكنا من اللغة العربية. فكرت في الحلول التي من الممكن اللجوء إليها، خصوصا أن هناك صيتا حول صعوبة اللغة العربية، وبأن تدريسها يتم بطريقة رتيبة جامدة وتقليدية تبعث على الملل، خصوصا لو تمت مقارنة طريقة تعليمها بطريقة تعليم الإنجليزية المرتبطة بالفرح والمرح الذي تبعثه في نفوس الأطفال. بدأت مشواري في البحث عن وسائل تعليمية عربية مسلية كالأغاني والكتب والقصص العربية ومسلسلات الكرتون والألعاب.
بالنسبة للكتب العربية كنت أعتقد مثلكم أن كتب الاطفال العربية ضعيفة، ورسوماتها غير جاذبة، ومواضيعها غير لافتة، لكنني كنت مخطئة إذ وجدت دور نشر عربية متميزة جدا ورسامين وكتابا رائعين واستطعت بذلك تحبيب ابني زكريا بالقصص العربية، بل وتشجعت على كتابة أول قصة أطفال لي بعنوان انا عربي. وكذلك هو الحال بالنسبة للألعاب التعليمية حيث بدأت بالظهور وبجودة عالية أيضا.
اما بالنسبة لمسلسلات الكرتون والأغاني فكانت معاناتي كبيرة بصدق. لم أجد غير افتح يا سمسم وسراج كبرامج أطفال عربية أصلية وعلى مستوى عال من الرقي والجودة، أما البقية فكانت مدبلجة. افتح يا سمسم وسراج رائعان لكن بعد فترة أحسست انني بحاجة للتنويع ولإضافة المزيد لهذه اللائحة. حاولت كثيرا البحث من خلال شبكة الإنترنت على اغاني اطفال لكنني وجدت فقط الاغاني القديمة التي قد تكون جميلة لكنها ليست عصرية أو ملائمة لطبيعة حياة أطفالنا. إلى أن وصلتني رسالة من أحد معارفي عبر انستغرام، وهي صاحبة مشروع صغير للمطبوعات العربية للأطفال تحت اسم “البلبل الصغير”. ارسلت لي اغنية عائلتي لآدم ومشمش. أذكر هذه الرسالة الى الان، وأنا شاكرة جداً للبلبل الصغير لتعريفي عليهم. ولا أخفي عنكم أني لمت نفسي كثيرا… لم أصدق أنني لم أعرف عن أغانيهم من قبل، خاصة أنهم من بلدي الأردن، وأننا ننتمي للدائرة الاجتماعية نفسها، بالإضافة أن بحثي على اليوتيوب لم ينجح بتعريفي بهم.
حينها بدأت مرحلة جديدة ورائعة في رحلة تعليم زكريا ومن ثم سامي العربية.
آدم ومشمش لنبدأ بالألحان التي قد لا أفيها حقها من الإبداع. أحيانا اسمع أغانيهم وأركز فقط على الألحان التي باعتقادي هي قمة بالذكاء ولافتة جدا للأطفال وعصرية ومتنوعة لا يوجد فيها تكرار. اما بالنسبة للكلمات والمواضيع فقد وجدت ما أريده فيها بل وأكثر. الكلمات بسيطة لكن عميقة وأساسية لمفردات اي طفل عربي. حتى إن أغانيهم أحيانا تمس مواضيع لم أفكر بها من قبل. الأصوات هادئة وجميلة وأحيانا مضحكة ومسلية للأطفال، مثل صوت الوحش في أغنية الوحوش. وأخيراً الرسومات والإخراج المبدع وبساطة عرضه الذي يلفت انتباه الطفل بدل تشتيته بالمؤثرات المزعجة التي لا ضرورة لها. آدم ومشمش مشروع متكامل من كافة الجهات. في كل مرة تصدر لهم أغنية أقول لنفسي لا أظن أنهم يستطيعون التفوق على أنفسهم أكثر، لكن بعدها يأتون بأغنية جديدة تفوق كل التوقعات.
تقييمي لنجاحهم كان بمعية أولادي، ترقبهم لأغنياتهم الجديدة، وحماسهم عندما أخبرهم أن هناك حلقة جديدة. أو عند ركوبنا السيارة ومراقبتي لأولادي وهم يلحون على الاستماع لأغاني آدم ومشمش. أو عند عودة ابني زكريا من المدرسة بعد تعلمه أغنية الكواكب باللغة الإنجليزية وغنائها لي، ومن ثم يكمل يأغنية آدم ومشمش عن المجموعة الشمسية من دون أن أطلب منه ذلك. أو عندما يركض ابني سامي من غرفته سريعا عند سماع شارة البداية لآدم ومشمش ويهز جسمه وهو يرقص ضاحكاً. أو عندما نمشي في حينا ويبدأ زكريا بعد المنازل على أنغام أغنية الأرقام. أو عندما نرى خروفاً و يقول سامي “بااا مووو نييهاا” كأغنية أصوات الحيوانات أو عندما أقوم بتحضير الطعام وحدي وأنا أغني “أنا الطفل العربي” أو عندما أنظف أسناني قبل أن أنام وأنا أدندن لحن أغنية “النظافة” … وأمثلة كثيرة وكثيرة جداً.
بدأت وقتها بإخبار الجميع عن آدم ومشمش سواء في كندا أو الأردن والحمدالله أفرح كثيراً عندما أرى أن جمهورهم يتضاعف مع الوقت. وأجمل ما بفريق العمل هو طريقة تعاملهم مع متابعيهم وتقبل الأفكار الجديدة والعمل عليها وحفلاتهم المباشرة على منصات التواصل الاجتماعي. سهولة التعامل معهم تشجع الناس أكثر لمشروعهم.
في النهاية الإصرار والاستمرار بالتكلم باللغة العربية هما الاهم لتعليم أبنائنا العربية في المهجر. وبكل صدق آدم ومشمش لهم دور أساسي في جعل أولادي يتكلمون اللغة العربية وبكل طلاقة الحمدالله وأنا متأكدة أن هناك الكثيرين مثلي. نجحوا بذلك من دون أي تعقيد بل على العكس بكل بساطة. أشكركم من كل قلبي وأرجوكم ما تحرمونا من أغانيكم. ويالله بدنا أغنية جديدة لو سمحتم هههه